فوائد الانتظار
(1) مكیال المكارم 182:2
(2) میزان الحكمة 187:1
(3) سورة هود: 93.
(4) سورة الاعراف : 71
(5) مكیال المكارم 262:2
(6) سورة السجدة : 24
(7) الخصال 625: 2
(8) سورة غافر:60
(9) سورة البقرة: 186.
(10) المیزان في تفسیر القرآن 32:2
(11) سورة البقرة : 186
(12) سورة الزمر : 53
(13) الكلیني ، الكافي 47: 2
(14) المیزان في تفسیر القرآن 43: 2
(15) المصدر نفسه 42: 2
(16) عبدالله ابن عدي ، الكامل 637: 2. و الطبراني ،المعجم الكبیر 125ـ 124: 10
(17) میزان الحكمة : 28: 1
(18) مكیال المكارم : 292: 2
(19) الشیخ جواد الاملي ، أسرار الصلاة : 139.
(20) العلامة محمد حسین الطباطبائي، سنن النبي (ص) : 304
(21) سورة آل عمران : 200
(22) الحر العاملي ، وسائل الشیعة 4: 117ـ 118
(23) السبرات : جمع سبرة الغداة الباردة
(24) وسائل الشیعة 4: 117 ـ 118
(25) المصدر السابق
(26) الخصال 2: 610
(27) وسائل الشیعة 4: 116
(28) النوري ، مستدرك الوسائل 3: 99
(29) سورة العنكبوت : 69
(30) سورة الإسراء : 20
(31) محمد الریشهري ، الصلاة في الكتاب و السنة : 20 (32) محمد بن إبراهیم النعماني ، الغیبة:
الصبر وعدم الیأس :
عُرف الصبر بأنه: الهیمنة علی الذات وفق الضوابط الشرعیة و العقلیة.
فمن لوازم الانتظار و من دعائمه الصبر، فلا انتظار إلّا بالصبر ، و لا یصبر الإنسان إلّا أن ینتظر عاقبة أمر و یترقبه.
و في عیون الحكم و المواعظ قال رسول اللهب (ص) : « من انتظر العاقبة صبر»، « من انتظر العواقب صبر»(1) إذن فكل عمل یعمله الإنسان إنّما ینتظر عاقبة ذلك العمل ، سواء كان خیراً أم شراً ، بل قد ییأس الإنسان من عمله و هو الیأس الایجابي، و ینتظر مایقدره الله له ، و هذا معنی أخلاقي راقي للانتظار یذكره العرفاء.
قال رسول الله (ص) : « انتظار الفرج بالصبر عبادة»(2).
و قال الامام الرضا(ع) : « ما أحسن الصبر و انتظار الفرج، ما سمعت قول الله عزّوجل: « و ارتقبوا إنّي معكم رقیب» (3)، و قوله « فانتظروا إنّي معكم من المنتظرین »(4) ، « فعلیكم بالصبر فإنّه إنّما یجيء الفرج علی الیأس ، فقد كان الذین من قبلكم أصبر منكم»(5)، و الذي تشیر إلیه الروایة من معنی للیأس غیر المعنی الذي سیأتي ، و هو بمعنی القنوط ، أما هنا فییأس المنتظر من كل عمل یؤدیه، و أن یلحّ بالدعاء و المسألة ، و ینتظر و یصبر، حیث لا عمل و لا إجابة إلّا برحمة الله الخاصة ، و هذا معنی دقیق كما قلنا فلا تغفل عنه.
بل بالصبر ینال الإنسان الدرجات العظیمة و المقامات الرفیعة « و جعلنا منهم أئمة یهدون بأمرنا لمّآ صبروا و كانوا بآیاتنا یوقنون» (6)، بل عُد الصبر من الایمان بمنزلة الرأس من الجسد.
و عن أمیر المؤمنین (ع) قال : « أفضل العبادة بالصبر و الصمت و انتظار الفرج»(7).
بالصبرو الثبات علی المعاناة و الامتحان الإلهي ، لأنّ الإمام المهدي بوجوده الشریف یمثل القدوة الرائعة العظیمة في الصبر و الثبات ، حیث یشاهد كل هذه الآلام و المحن و یتعرض لها في حیاته و یتفاعل معها بطبیعة الحال ، و مع ذلك فهو صابر ممتحن في ذات الله ، و من أجل الاهداف العظیمة ینتظر الفرصة للقیام بدوره العظیم ، هذا من جهة و من جهة أخری فإنّ جانب من تفسیر طول الغیبة بعد وجوده الشریف هو تكامل المسیرة من خلال التجارب و المعاناة ، حیث تتكامل النفوس، و تستعد لحمل هذا الدور و قیام حكومة العدل ، و كل ذلك یعطي زخماً معنویاً عظیماً في الصبر و الثبات و الاستقامة و الاستفادة منها في مسیرة التكامل الانساني.
فیصبح الإنسان بمجمل أعماله و نشاطاته مساهماً في الانتظار و مؤدیاً للدور التاریخي في التمهید ، لقیام حكومة العدل الإلهي المطلقة التي یحققها الإمام المهدي.
الصبر و صعبوبة الانتظار
لو أردنا أن نمثّل لصعوبة الانتظار بمثال عرفي فنقول : فیما لو كانت أم تنتظر رجوع ولدها من المعسكر و كان البلد في حالة حرب ،و كان ولدها في الخطوط الأمامیة ، فإنّ الام في هذه الحالة تعیش حالة الانتظار حقیقة و تترقب قدوم ولدها و الفرج عنه و نجاته ، إذن انظر إلی الأم التي یساورها هذا الأمر كم تحتاج إلی الصبر في سبیل التخفیف من صعوبة الانتظار.
الانتظار و الدعاء:
قال تعالی: « و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذین یستكبرون عن عبادتي سیدخلون جهنّم داخرین»(8)
و قال تعالی: « و إذا سألك عبادي عنّي فإنّي قریبُ أجیب دعوة الدّاع إذا دعان فلیستجیبوا لي و لیؤمنوا بي لعلّهم یرشدون».(9)
« و الدعاء و الدعوة توجیه نظر المدعو نحو الداعي ، و السؤال جلب قائدة أو درّ من المسئول یرفع به حاجة السائل یعد توجیه نظره»(10).
فعلی الإنسان أن یدعو الله سبحانه بلسان الفطرة صادقاً في الدعاء و الطلب ، و توجیه قلبه إلی الله تعالی بالأسباب ، فإنّ الدعاء سبب في الإجابة ، لأنّ الله تعالی قال : « أجیب دعوة الدّاع إذا دعان»(11) فلا بد من توجیه النظر إلیه تعالی بالصبر و البصیرة و عدم القنوط و الیأس « قل یا عبادي الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذنوب جمیعا إنّه هو الغفور الرّحیم»(12).
فینبغي للإنسان التوجّه لرحمة الله و الإلحاح بالدعاء (فإنّ من أكثر الطرق أوشك أن یفتح له»(13).
و عن الصادق(ع) : « ... و لا ینال ما عند الله إلا بالدعاء ، فإنه لیس من باب یكثر قرعه إلا أوشك أن یفتح لصاحبه»(14).
و عنه عن آبائه ، عن النبي (ص) قال : « أوحی الله إلی بعض أنبیائه في بعض وحیه: و عزّتي و جلالي لأقطعن أمل كل آمل غیري بالأیاس ، لأكسونّه ثوب المذلة في الناس ، لابعدنّه من فرجي و فضلي ، أیأمل مفاتیح الأبواب و هي مغلقة ، و بابي مفتوح لمن دعاني؟»(15).
و كما ورد عن الرسول (ص) قال : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجل یحب أن یسأل ، و أفضل العبادة انتظار الفرج»(16) إذن فینظر العبد أن یفرج عنه و یقضي حاجته و یرفع عنه كل شدة و بلاء.
و عنه (ص) : « من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، و من كل ضیق مخرجاً، و رزقه من حیث لا یحتسب»(17).
و في قنوت الامام الرضا(ع) : « ... و قد ألجم الحذار و اشتدّ الاضطرار و عجز عن الاصطبار أهل الانتظار...»(18).
الانتظار و الصلاة :
إن إداء العبادات الواجبة و المندوبة من دون مراعة فلسفة الانتظار ، لا یجعل لتلك العبادة روحاً و تفقد العبادة وزنها ، بل تفقد واقعیّتها و ما فیها من رصید روحي و معنوي للإنسان ، یمكن أن ترفعه إلی درجات عالیة من القرب إلی الله تعالی ، فبفلسفة الانتظار سوف تفتح للإنسان أبواب عظیمة في مقام القرب ، بل من خلال ما تقدم من الروایات یمكن لنا أن نقول : إنّ الانتظار حاكم علی جمیع العبادات، و داخل فیها ؛ لأنّ العبادة الحقیقیة هي العبادة الحركیة الممتزجة مع روح الانسان و أعماقه ، و هذه الروح هي الباعثة للإنسان للاتصال و الارتباط الحقیقي مع المعبود الحقیقي ، فلذا یترقب الإنسان حینها اللقاء و الارتباط بالمحبوب و المعشوق ، و هذاكان دأب الائمة (ع) و دأب السلف الصالح من علمائنا الربّانیین في الحث علی الجلوس و انتظار الصلاة و التفكر و التدبّر ، فما جعلت لصلاة الساهي أو الكسول قیمة ، فإنّ لكل شيء باطناً و باطن الصلاة روح الصلاة.
و حیث كان الهدف السامي من العبادة هو لقاء الله ،كتب مولانا محمد بن عليّ الرضا (ع) إلی محمد بن الفرج في الانصراف من صلاة مكتوبة : « ... أسألك الرضاء بالقضاء ، و بردّ العیش بعد الموت ، و لذة النظر إلی وجهك ، و شوقاً إلی لقائك من غیر ضراء مضرّة و لا فتنة مُضلّة...»(19).
و الشعور بضیق الانتظار و شدّة اللقاء هو الذي جعل الرسول (ص) یطلب من بلال أن یعجّل بالآذان بقوله : أرحنا یا بلال؟! حیث « كان النبي (ص) ینتظر وقت الصلاة و یشتد شوقه و یترقب دخوله و یقول لبلال مؤذنة « ارحنا یا بلال »(20).
و قال الرسول (ص) : « یا أباذر ، إنّ الله یعطیك مادمت جالساً في المسجد بكل نفس تتنفس فیه رحة في الجنة ، و تصلي علیك الملائكظ و یكتب لك بكل نفس تنفست فیه عشر حسنات، و یمحي عنك عشر سیئات ، یا أباذر اتعلم في أي شيء نزلت هذه الایة : « و اصبروا و صابروا و رابطوا و اتّقوا الله لعلّكم تفلحون»(21)؟
قلت : لا ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة»(22)
و روي عنه (ص) أیضاً أنّه سئل عن أفضل الأعمال فقال : « اسباغ الوضوء في السبُرات(23) و نقل الاقدام إلی الجماعات ، و انتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط»(24).
و عنه (ص) « الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة»(25) فیمكن لنا أن نستوحي من ذلك أنّه إذا كان الانتظار حاكماً علی العبادة فإنّها تشدّ أبواب الشیطان ، و تمنع تعلّق النفس بالمادة و المادیات ، فیصبح بمقدور الانسان أن یرتقي بعبادته ، و یجسدها في واقعه الباطني و الظاهري و به تتحقق حقیقة المراقبة ، فلا یبقی مجال للشیطان و لا للهوی و الشهوات التصرف في هذا الانسان ، بل یصبح وجود الإنسان متكاملاً یتحرك وفق إرادة الله في جمیع أحواله و شؤونه و هو الجهاد الأكبر ، لإنّ فیه قهراً للعدوّین النفس « الأمارة » و الشیطان، فما أشرفها من عبادة ، و ما أروعه من جهاد،؛ و لذا عدّ المنتظر للفرج كشاهر سیفه أو كالمتشحط بدمه في سبیل الله ، فعن النبي (ص) « ... انتظروا الفرج و لا تیأسوا من روح الله ، فإن احب الاعمال إلی الله عزوجل انتظار الفرج مادام علیه العبد المؤمن ، و المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبیل الله»(26).
بل عبّرت الروایات علی أن ّ المنتظر للصلاة ضیف الله : « إنّ الرجل إذا دخل المسجد فصلی و عقّب انتظاراً للصلاة الأخری فهو ضیف الله ،و حق علی الله أن یكرم ضیفه » ، « و إنّه مادام ینتظر في عبادة ما لم یغتب»(27).
و عن الامام علی (ع) قال : « الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة»(28).
الأثر التكاملي و بناء النفس :
إنّ في الانتظار أثراً تكاملیاً عظیماً ، حیث یقترب به الإنسان من تعالیم المساء و منها الرضاء بالقضاء و ما قدّر الله تعالی للبشر، و الاعتماد علیه سبحانه بتدبیر الأمور.
فإنّ السعي و المجاهدة و الإخلاص و صفاء النیة یعطي طاقة روحیة للإنسان عظیمة : « و الذین جاهدوا فینا لنهدینّهم سبلنا »(29) « كلّا نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ما كان عطاء ربّك محظوراً»(30) ، أن الله خلق كل الموجودات بهذه الرحمة بما فیها إبلیس (لعنه الله) و النار و جمیع الشرور في العالم التي هي خیرات بأنفسهم و ذاتها ، كیف و هو الحكیم الذي رتّب العالم بحكمته أن یخلق الشر المحض ، بل خلقها لتساهم في كمال الانسان بعد إجتیازه مظاهر الصراع الداخلي بین الوساوس و المغریات و بین نفسه اللوامة ، فیرتقي الانسان و یتكامل ، و هذا كلام عقائدي دقیق یحتاج إلی بسط أكثر لیس هنا محله؟
فهذا هو الذي یجعل الانسان علی علاقة مباشرة مع الله تعالی ، فیحسّ الانسان هنا بالخشیة منه تعالی ، و أنّه في حضور دائم ، فیتعامل مع الموجودات علی أنّها آیات إلهیة ، فیبقي یتذوق هذه الرحمة عبر روافد و قنوات عدیدة منها التعرّض للأیام و اللیالي و الساعات الّتي بیّنت الشریعة خصوصیتها ، و كما ورد في الحدیث المعروف : « ألا أنّ لربكم في أیام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها و لا تُعرضوا لها عنها »(31) ، و هنا قد تكفّلت روایات أهل البیت (ع) ذلك بشكل مكثّف ، ما یكفي للإنسان في التزوّد منه ، و قبل ذلك علی الإنسان أن یشتغل بتهذیب النفس و إبعادها من الرذائل و تحلیتها بالفضائل ، فإنّ ذلك باعثاً لشدّة الانتظار و الترقّب و اللطف و العنایة الربّانیة ، حتی ینال الإنسان درجة عظیمة في الرقي ، بل و أرضیة للخلاص من الشك و الارتیاب و الیأس ، بل یؤهله لأن یكون بدرجة المنتظرین للقائم عجل الله تعالی فرجه الشریف « من سرّه أن یكون من أصحاب القائم فلینتظر و لیعمل بالورع و محاسن الأخلاق و هو منتظر»(32).
و الانتظار الایجابي من قبل الأمة یساهم في تعجیل الفرج، و قد روي عن الشهید محمد الصدر (قدس سره) أنه قال : الإمام المنتظر ـ بالكسر ـ ، فالإمام ینتظر الأمة للتحرك من أجل إصلاح واقعها و تغییره علی ضوء المفاهیم و القیم الالهیة ، بتحویل الأفكار و المفاهیم و التصورات و النظریات إلی واقع عملي تترجم فیه الأفكار إلی مشاعر و أخلاق و علاقات و ارتباطات متجسدة في صورة عملیة ، و إعداد العدة اللازمة لإدامة العمل الإیجابي و تهیئة المجتمع الإسلامي لترقب الانتصار الكلي بعد یأسه من الأطروحات الوضعیة أو التطبیقات العلمیة الخاطئة التي تتبنی الإسلام نظریة دون أن تجسّده في الواقع .
فما لم یتحقق الانتظار الحقیقي و هو تهیئة شروطه من قبل الامة فإنّ الفرج سیتأخر ، و هذه سنة إلیهة فمتی وجدت المقدّمات و تهیّأت بصورة عملیة فأن النتائج تترتب علیها و لا تتخلف ، فالأمر موكول إلی الأمة بسعیها الجاد الدؤوب و انتظارها الإیجابي.
عُرف الصبر بأنه: الهیمنة علی الذات وفق الضوابط الشرعیة و العقلیة.
فمن لوازم الانتظار و من دعائمه الصبر، فلا انتظار إلّا بالصبر ، و لا یصبر الإنسان إلّا أن ینتظر عاقبة أمر و یترقبه.
و في عیون الحكم و المواعظ قال رسول اللهب (ص) : « من انتظر العاقبة صبر»، « من انتظر العواقب صبر»(1) إذن فكل عمل یعمله الإنسان إنّما ینتظر عاقبة ذلك العمل ، سواء كان خیراً أم شراً ، بل قد ییأس الإنسان من عمله و هو الیأس الایجابي، و ینتظر مایقدره الله له ، و هذا معنی أخلاقي راقي للانتظار یذكره العرفاء.
قال رسول الله (ص) : « انتظار الفرج بالصبر عبادة»(2).
و قال الامام الرضا(ع) : « ما أحسن الصبر و انتظار الفرج، ما سمعت قول الله عزّوجل: « و ارتقبوا إنّي معكم رقیب» (3)، و قوله « فانتظروا إنّي معكم من المنتظرین »(4) ، « فعلیكم بالصبر فإنّه إنّما یجيء الفرج علی الیأس ، فقد كان الذین من قبلكم أصبر منكم»(5)، و الذي تشیر إلیه الروایة من معنی للیأس غیر المعنی الذي سیأتي ، و هو بمعنی القنوط ، أما هنا فییأس المنتظر من كل عمل یؤدیه، و أن یلحّ بالدعاء و المسألة ، و ینتظر و یصبر، حیث لا عمل و لا إجابة إلّا برحمة الله الخاصة ، و هذا معنی دقیق كما قلنا فلا تغفل عنه.
بل بالصبر ینال الإنسان الدرجات العظیمة و المقامات الرفیعة « و جعلنا منهم أئمة یهدون بأمرنا لمّآ صبروا و كانوا بآیاتنا یوقنون» (6)، بل عُد الصبر من الایمان بمنزلة الرأس من الجسد.
و عن أمیر المؤمنین (ع) قال : « أفضل العبادة بالصبر و الصمت و انتظار الفرج»(7).
بالصبرو الثبات علی المعاناة و الامتحان الإلهي ، لأنّ الإمام المهدي بوجوده الشریف یمثل القدوة الرائعة العظیمة في الصبر و الثبات ، حیث یشاهد كل هذه الآلام و المحن و یتعرض لها في حیاته و یتفاعل معها بطبیعة الحال ، و مع ذلك فهو صابر ممتحن في ذات الله ، و من أجل الاهداف العظیمة ینتظر الفرصة للقیام بدوره العظیم ، هذا من جهة و من جهة أخری فإنّ جانب من تفسیر طول الغیبة بعد وجوده الشریف هو تكامل المسیرة من خلال التجارب و المعاناة ، حیث تتكامل النفوس، و تستعد لحمل هذا الدور و قیام حكومة العدل ، و كل ذلك یعطي زخماً معنویاً عظیماً في الصبر و الثبات و الاستقامة و الاستفادة منها في مسیرة التكامل الانساني.
فیصبح الإنسان بمجمل أعماله و نشاطاته مساهماً في الانتظار و مؤدیاً للدور التاریخي في التمهید ، لقیام حكومة العدل الإلهي المطلقة التي یحققها الإمام المهدي.
الصبر و صعبوبة الانتظار
لو أردنا أن نمثّل لصعوبة الانتظار بمثال عرفي فنقول : فیما لو كانت أم تنتظر رجوع ولدها من المعسكر و كان البلد في حالة حرب ،و كان ولدها في الخطوط الأمامیة ، فإنّ الام في هذه الحالة تعیش حالة الانتظار حقیقة و تترقب قدوم ولدها و الفرج عنه و نجاته ، إذن انظر إلی الأم التي یساورها هذا الأمر كم تحتاج إلی الصبر في سبیل التخفیف من صعوبة الانتظار.
الانتظار و الدعاء:
قال تعالی: « و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذین یستكبرون عن عبادتي سیدخلون جهنّم داخرین»(8)
و قال تعالی: « و إذا سألك عبادي عنّي فإنّي قریبُ أجیب دعوة الدّاع إذا دعان فلیستجیبوا لي و لیؤمنوا بي لعلّهم یرشدون».(9)
« و الدعاء و الدعوة توجیه نظر المدعو نحو الداعي ، و السؤال جلب قائدة أو درّ من المسئول یرفع به حاجة السائل یعد توجیه نظره»(10).
فعلی الإنسان أن یدعو الله سبحانه بلسان الفطرة صادقاً في الدعاء و الطلب ، و توجیه قلبه إلی الله تعالی بالأسباب ، فإنّ الدعاء سبب في الإجابة ، لأنّ الله تعالی قال : « أجیب دعوة الدّاع إذا دعان»(11) فلا بد من توجیه النظر إلیه تعالی بالصبر و البصیرة و عدم القنوط و الیأس « قل یا عبادي الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذنوب جمیعا إنّه هو الغفور الرّحیم»(12).
فینبغي للإنسان التوجّه لرحمة الله و الإلحاح بالدعاء (فإنّ من أكثر الطرق أوشك أن یفتح له»(13).
و عن الصادق(ع) : « ... و لا ینال ما عند الله إلا بالدعاء ، فإنه لیس من باب یكثر قرعه إلا أوشك أن یفتح لصاحبه»(14).
و عنه عن آبائه ، عن النبي (ص) قال : « أوحی الله إلی بعض أنبیائه في بعض وحیه: و عزّتي و جلالي لأقطعن أمل كل آمل غیري بالأیاس ، لأكسونّه ثوب المذلة في الناس ، لابعدنّه من فرجي و فضلي ، أیأمل مفاتیح الأبواب و هي مغلقة ، و بابي مفتوح لمن دعاني؟»(15).
و كما ورد عن الرسول (ص) قال : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجل یحب أن یسأل ، و أفضل العبادة انتظار الفرج»(16) إذن فینظر العبد أن یفرج عنه و یقضي حاجته و یرفع عنه كل شدة و بلاء.
و عنه (ص) : « من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، و من كل ضیق مخرجاً، و رزقه من حیث لا یحتسب»(17).
و في قنوت الامام الرضا(ع) : « ... و قد ألجم الحذار و اشتدّ الاضطرار و عجز عن الاصطبار أهل الانتظار...»(18).
الانتظار و الصلاة :
إن إداء العبادات الواجبة و المندوبة من دون مراعة فلسفة الانتظار ، لا یجعل لتلك العبادة روحاً و تفقد العبادة وزنها ، بل تفقد واقعیّتها و ما فیها من رصید روحي و معنوي للإنسان ، یمكن أن ترفعه إلی درجات عالیة من القرب إلی الله تعالی ، فبفلسفة الانتظار سوف تفتح للإنسان أبواب عظیمة في مقام القرب ، بل من خلال ما تقدم من الروایات یمكن لنا أن نقول : إنّ الانتظار حاكم علی جمیع العبادات، و داخل فیها ؛ لأنّ العبادة الحقیقیة هي العبادة الحركیة الممتزجة مع روح الانسان و أعماقه ، و هذه الروح هي الباعثة للإنسان للاتصال و الارتباط الحقیقي مع المعبود الحقیقي ، فلذا یترقب الإنسان حینها اللقاء و الارتباط بالمحبوب و المعشوق ، و هذاكان دأب الائمة (ع) و دأب السلف الصالح من علمائنا الربّانیین في الحث علی الجلوس و انتظار الصلاة و التفكر و التدبّر ، فما جعلت لصلاة الساهي أو الكسول قیمة ، فإنّ لكل شيء باطناً و باطن الصلاة روح الصلاة.
و حیث كان الهدف السامي من العبادة هو لقاء الله ،كتب مولانا محمد بن عليّ الرضا (ع) إلی محمد بن الفرج في الانصراف من صلاة مكتوبة : « ... أسألك الرضاء بالقضاء ، و بردّ العیش بعد الموت ، و لذة النظر إلی وجهك ، و شوقاً إلی لقائك من غیر ضراء مضرّة و لا فتنة مُضلّة...»(19).
و الشعور بضیق الانتظار و شدّة اللقاء هو الذي جعل الرسول (ص) یطلب من بلال أن یعجّل بالآذان بقوله : أرحنا یا بلال؟! حیث « كان النبي (ص) ینتظر وقت الصلاة و یشتد شوقه و یترقب دخوله و یقول لبلال مؤذنة « ارحنا یا بلال »(20).
و قال الرسول (ص) : « یا أباذر ، إنّ الله یعطیك مادمت جالساً في المسجد بكل نفس تتنفس فیه رحة في الجنة ، و تصلي علیك الملائكظ و یكتب لك بكل نفس تنفست فیه عشر حسنات، و یمحي عنك عشر سیئات ، یا أباذر اتعلم في أي شيء نزلت هذه الایة : « و اصبروا و صابروا و رابطوا و اتّقوا الله لعلّكم تفلحون»(21)؟
قلت : لا ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة»(22)
و روي عنه (ص) أیضاً أنّه سئل عن أفضل الأعمال فقال : « اسباغ الوضوء في السبُرات(23) و نقل الاقدام إلی الجماعات ، و انتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط»(24).
و عنه (ص) « الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة»(25) فیمكن لنا أن نستوحي من ذلك أنّه إذا كان الانتظار حاكماً علی العبادة فإنّها تشدّ أبواب الشیطان ، و تمنع تعلّق النفس بالمادة و المادیات ، فیصبح بمقدور الانسان أن یرتقي بعبادته ، و یجسدها في واقعه الباطني و الظاهري و به تتحقق حقیقة المراقبة ، فلا یبقی مجال للشیطان و لا للهوی و الشهوات التصرف في هذا الانسان ، بل یصبح وجود الإنسان متكاملاً یتحرك وفق إرادة الله في جمیع أحواله و شؤونه و هو الجهاد الأكبر ، لإنّ فیه قهراً للعدوّین النفس « الأمارة » و الشیطان، فما أشرفها من عبادة ، و ما أروعه من جهاد،؛ و لذا عدّ المنتظر للفرج كشاهر سیفه أو كالمتشحط بدمه في سبیل الله ، فعن النبي (ص) « ... انتظروا الفرج و لا تیأسوا من روح الله ، فإن احب الاعمال إلی الله عزوجل انتظار الفرج مادام علیه العبد المؤمن ، و المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبیل الله»(26).
بل عبّرت الروایات علی أن ّ المنتظر للصلاة ضیف الله : « إنّ الرجل إذا دخل المسجد فصلی و عقّب انتظاراً للصلاة الأخری فهو ضیف الله ،و حق علی الله أن یكرم ضیفه » ، « و إنّه مادام ینتظر في عبادة ما لم یغتب»(27).
و عن الامام علی (ع) قال : « الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة»(28).
الأثر التكاملي و بناء النفس :
إنّ في الانتظار أثراً تكاملیاً عظیماً ، حیث یقترب به الإنسان من تعالیم المساء و منها الرضاء بالقضاء و ما قدّر الله تعالی للبشر، و الاعتماد علیه سبحانه بتدبیر الأمور.
فإنّ السعي و المجاهدة و الإخلاص و صفاء النیة یعطي طاقة روحیة للإنسان عظیمة : « و الذین جاهدوا فینا لنهدینّهم سبلنا »(29) « كلّا نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ما كان عطاء ربّك محظوراً»(30) ، أن الله خلق كل الموجودات بهذه الرحمة بما فیها إبلیس (لعنه الله) و النار و جمیع الشرور في العالم التي هي خیرات بأنفسهم و ذاتها ، كیف و هو الحكیم الذي رتّب العالم بحكمته أن یخلق الشر المحض ، بل خلقها لتساهم في كمال الانسان بعد إجتیازه مظاهر الصراع الداخلي بین الوساوس و المغریات و بین نفسه اللوامة ، فیرتقي الانسان و یتكامل ، و هذا كلام عقائدي دقیق یحتاج إلی بسط أكثر لیس هنا محله؟
فهذا هو الذي یجعل الانسان علی علاقة مباشرة مع الله تعالی ، فیحسّ الانسان هنا بالخشیة منه تعالی ، و أنّه في حضور دائم ، فیتعامل مع الموجودات علی أنّها آیات إلهیة ، فیبقي یتذوق هذه الرحمة عبر روافد و قنوات عدیدة منها التعرّض للأیام و اللیالي و الساعات الّتي بیّنت الشریعة خصوصیتها ، و كما ورد في الحدیث المعروف : « ألا أنّ لربكم في أیام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها و لا تُعرضوا لها عنها »(31) ، و هنا قد تكفّلت روایات أهل البیت (ع) ذلك بشكل مكثّف ، ما یكفي للإنسان في التزوّد منه ، و قبل ذلك علی الإنسان أن یشتغل بتهذیب النفس و إبعادها من الرذائل و تحلیتها بالفضائل ، فإنّ ذلك باعثاً لشدّة الانتظار و الترقّب و اللطف و العنایة الربّانیة ، حتی ینال الإنسان درجة عظیمة في الرقي ، بل و أرضیة للخلاص من الشك و الارتیاب و الیأس ، بل یؤهله لأن یكون بدرجة المنتظرین للقائم عجل الله تعالی فرجه الشریف « من سرّه أن یكون من أصحاب القائم فلینتظر و لیعمل بالورع و محاسن الأخلاق و هو منتظر»(32).
و الانتظار الایجابي من قبل الأمة یساهم في تعجیل الفرج، و قد روي عن الشهید محمد الصدر (قدس سره) أنه قال : الإمام المنتظر ـ بالكسر ـ ، فالإمام ینتظر الأمة للتحرك من أجل إصلاح واقعها و تغییره علی ضوء المفاهیم و القیم الالهیة ، بتحویل الأفكار و المفاهیم و التصورات و النظریات إلی واقع عملي تترجم فیه الأفكار إلی مشاعر و أخلاق و علاقات و ارتباطات متجسدة في صورة عملیة ، و إعداد العدة اللازمة لإدامة العمل الإیجابي و تهیئة المجتمع الإسلامي لترقب الانتصار الكلي بعد یأسه من الأطروحات الوضعیة أو التطبیقات العلمیة الخاطئة التي تتبنی الإسلام نظریة دون أن تجسّده في الواقع .
فما لم یتحقق الانتظار الحقیقي و هو تهیئة شروطه من قبل الامة فإنّ الفرج سیتأخر ، و هذه سنة إلیهة فمتی وجدت المقدّمات و تهیّأت بصورة عملیة فأن النتائج تترتب علیها و لا تتخلف ، فالأمر موكول إلی الأمة بسعیها الجاد الدؤوب و انتظارها الإیجابي.
عن موقع السيد عبد الرسول الحسيني
(1) مكیال المكارم 182:2
(2) میزان الحكمة 187:1
(3) سورة هود: 93.
(4) سورة الاعراف : 71
(5) مكیال المكارم 262:2
(6) سورة السجدة : 24
(7) الخصال 625: 2
(8) سورة غافر:60
(9) سورة البقرة: 186.
(10) المیزان في تفسیر القرآن 32:2
(11) سورة البقرة : 186
(12) سورة الزمر : 53
(13) الكلیني ، الكافي 47: 2
(14) المیزان في تفسیر القرآن 43: 2
(15) المصدر نفسه 42: 2
(16) عبدالله ابن عدي ، الكامل 637: 2. و الطبراني ،المعجم الكبیر 125ـ 124: 10
(17) میزان الحكمة : 28: 1
(18) مكیال المكارم : 292: 2
(19) الشیخ جواد الاملي ، أسرار الصلاة : 139.
(20) العلامة محمد حسین الطباطبائي، سنن النبي (ص) : 304
(21) سورة آل عمران : 200
(22) الحر العاملي ، وسائل الشیعة 4: 117ـ 118
(23) السبرات : جمع سبرة الغداة الباردة
(24) وسائل الشیعة 4: 117 ـ 118
(25) المصدر السابق
(26) الخصال 2: 610
(27) وسائل الشیعة 4: 116
(28) النوري ، مستدرك الوسائل 3: 99
(29) سورة العنكبوت : 69
(30) سورة الإسراء : 20
(31) محمد الریشهري ، الصلاة في الكتاب و السنة : 20 (32) محمد بن إبراهیم النعماني ، الغیبة: