فوائد الانتظار

الجمعة، 30 يناير 2015

فوائد الانتظار

الصبر وعدم الیأس :
عُرف الصبر بأنه: الهیمنة علی الذات وفق الضوابط الشرعیة و العقلیة.

فمن لوازم الانتظار و من دعائمه الصبر، فلا انتظار إلّا بالصبر ، و لا یصبر الإنسان إلّا أن ینتظر عاقبة أمر و یترقبه.

و في عیون الحكم و المواعظ قال رسول اللهب (ص) : « من انتظر العاقبة صبر»، « من انتظر العواقب صبر»(1) إذن فكل عمل یعمله الإنسان إنّما ینتظر عاقبة ذلك العمل ، سواء كان خیراً أم شراً ، بل قد ییأس الإنسان من عمله و هو الیأس الایجابي، و ینتظر مایقدره الله له ، و هذا معنی أخلاقي راقي للانتظار یذكره العرفاء.

قال رسول الله (ص) : « انتظار الفرج بالصبر عبادة»(2).

و قال الامام الرضا(ع) : « ما أحسن الصبر و انتظار الفرج، ما سمعت قول الله عزّوجل: « و ارتقبوا إنّي معكم رقیب» (3)، و قوله « فانتظروا إنّي معكم من المنتظرین »(4) ، « فعلیكم بالصبر فإنّه إنّما یجيء الفرج علی الیأس ، فقد كان الذین من قبلكم أصبر منكم»(5)، و الذي تشیر إلیه الروایة من معنی للیأس غیر المعنی الذي سیأتي ، و هو بمعنی القنوط ، أما هنا فییأس المنتظر من كل عمل یؤدیه، و أن یلحّ بالدعاء و المسألة ، و ینتظر و یصبر، حیث لا عمل و لا إجابة إلّا برحمة الله الخاصة ، و هذا معنی دقیق كما قلنا فلا تغفل عنه.

بل بالصبر ینال الإنسان الدرجات العظیمة و المقامات الرفیعة « و جعلنا منهم أئمة یهدون بأمرنا لمّآ صبروا و كانوا بآیاتنا یوقنون» (6)، بل عُد الصبر من الایمان بمنزلة الرأس من الجسد.

و عن أمیر المؤمنین (ع) قال : « أفضل العبادة بالصبر و الصمت و انتظار الفرج»(7).

بالصبرو الثبات علی المعاناة و الامتحان الإلهي ، لأنّ الإمام المهدي بوجوده الشریف یمثل القدوة الرائعة العظیمة في الصبر و الثبات ، حیث یشاهد كل هذه الآلام و المحن و یتعرض لها في حیاته و یتفاعل معها بطبیعة الحال ، و مع ذلك فهو صابر ممتحن في ذات الله ، و من أجل الاهداف العظیمة ینتظر الفرصة للقیام بدوره العظیم ، هذا من جهة و من جهة أخری فإنّ جانب من تفسیر طول الغیبة بعد وجوده الشریف هو تكامل المسیرة من خلال التجارب و المعاناة ، حیث تتكامل النفوس، و تستعد لحمل هذا الدور و قیام حكومة العدل ، و كل ذلك یعطي زخماً معنویاً عظیماً في الصبر و الثبات و الاستقامة و الاستفادة منها في مسیرة التكامل الانساني.

فیصبح الإنسان بمجمل أعماله و نشاطاته مساهماً في الانتظار و مؤدیاً للدور التاریخي في التمهید ، لقیام حكومة العدل الإلهي المطلقة التي یحققها الإمام المهدي.

الصبر و صعبوبة الانتظار

لو أردنا أن نمثّل لصعوبة الانتظار بمثال عرفي فنقول : فیما لو كانت أم تنتظر رجوع ولدها من المعسكر و كان البلد في حالة حرب ،و كان ولدها في الخطوط الأمامیة ، فإنّ الام في هذه الحالة تعیش حالة الانتظار حقیقة و تترقب قدوم ولدها و الفرج عنه و نجاته ، إذن انظر إلی الأم التي یساورها هذا الأمر كم تحتاج إلی الصبر في سبیل التخفیف من صعوبة الانتظار.

الانتظار و الدعاء:

قال تعالی: « و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذین یستكبرون عن عبادتي سیدخلون جهنّم داخرین»(8)

و قال تعالی: « و إذا سألك عبادي عنّي فإنّي قریبُ أجیب دعوة الدّاع إذا دعان فلیستجیبوا لي و لیؤمنوا بي لعلّهم یرشدون».(9)

« و الدعاء و الدعوة توجیه نظر المدعو نحو الداعي ، و السؤال جلب قائدة أو درّ من المسئول یرفع به حاجة السائل یعد توجیه نظره»(10).

فعلی الإنسان أن یدعو الله سبحانه بلسان الفطرة صادقاً في الدعاء و الطلب ، و توجیه قلبه إلی الله تعالی بالأسباب ، فإنّ الدعاء سبب في الإجابة ، لأنّ الله تعالی قال : « أجیب دعوة الدّاع إذا دعان»(11) فلا بد من توجیه النظر إلیه تعالی بالصبر و البصیرة و عدم القنوط و الیأس « قل یا عبادي الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذنوب جمیعا إنّه هو الغفور الرّحیم»(12).

فینبغي للإنسان التوجّه لرحمة الله و الإلحاح بالدعاء (فإنّ من أكثر الطرق أوشك أن یفتح له»(13).

و عن الصادق(ع) : « ... و لا ینال ما عند الله إلا بالدعاء ، فإنه لیس من باب یكثر قرعه إلا أوشك أن یفتح لصاحبه»(14).

و عنه عن آبائه ، عن النبي (ص) قال : « أوحی الله إلی بعض أنبیائه في بعض وحیه: و عزّتي و جلالي لأقطعن أمل كل آمل غیري بالأیاس ، لأكسونّه ثوب المذلة في الناس ، لابعدنّه من فرجي و فضلي ، أیأمل مفاتیح الأبواب و هي مغلقة ، و بابي مفتوح لمن دعاني؟»(15).

و كما ورد عن  الرسول (ص) قال : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجل یحب أن یسأل ، و أفضل العبادة انتظار الفرج»(16) إذن فینظر العبد أن یفرج عنه و یقضي حاجته و یرفع عنه كل شدة و بلاء.

و عنه (ص) : « من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، و من كل ضیق مخرجاً، و رزقه من حیث لا یحتسب»(17).

و في قنوت الامام الرضا(ع) : « ... و قد ألجم الحذار و اشتدّ الاضطرار و عجز عن الاصطبار أهل الانتظار...»(18).

الانتظار و الصلاة :

إن إداء العبادات الواجبة و المندوبة من دون مراعة فلسفة الانتظار ، لا یجعل لتلك العبادة روحاً و تفقد العبادة وزنها ، بل تفقد واقعیّتها و ما فیها من رصید روحي و معنوي للإنسان ، یمكن أن ترفعه إلی درجات عالیة من القرب إلی الله تعالی ، فبفلسفة الانتظار سوف تفتح للإنسان أبواب عظیمة في مقام القرب ، بل من خلال ما تقدم من الروایات یمكن لنا أن نقول : إنّ الانتظار حاكم علی جمیع العبادات، و داخل فیها ؛ لأنّ العبادة الحقیقیة هي العبادة الحركیة الممتزجة مع روح الانسان و أعماقه ، و هذه الروح هي الباعثة للإنسان للاتصال و الارتباط الحقیقي مع المعبود الحقیقي ، فلذا یترقب الإنسان حینها اللقاء و الارتباط بالمحبوب و المعشوق ، و هذاكان دأب الائمة (ع) و دأب السلف الصالح من علمائنا الربّانیین في الحث علی الجلوس و انتظار الصلاة و التفكر و التدبّر ، فما جعلت لصلاة الساهي أو الكسول قیمة ، فإنّ لكل شيء باطناً و باطن الصلاة روح الصلاة.

و حیث كان الهدف السامي من العبادة هو لقاء الله ،كتب مولانا محمد بن عليّ الرضا (ع) إلی محمد بن الفرج في الانصراف من صلاة مكتوبة : « ... أسألك الرضاء بالقضاء ، و بردّ العیش بعد الموت ، و لذة النظر إلی وجهك ، و شوقاً إلی لقائك من غیر ضراء مضرّة و لا فتنة مُضلّة...»(19).

و الشعور بضیق الانتظار و شدّة اللقاء هو الذي جعل الرسول (ص) یطلب من بلال أن یعجّل بالآذان بقوله : أرحنا یا بلال؟! حیث « كان النبي (ص) ینتظر وقت الصلاة و یشتد شوقه و یترقب دخوله و یقول لبلال مؤذنة « ارحنا یا بلال »(20).

و قال الرسول (ص) : « یا أباذر ، إنّ الله یعطیك مادمت جالساً في المسجد بكل نفس تتنفس فیه رحة في الجنة ، و تصلي علیك الملائكظ و یكتب لك بكل نفس تنفست فیه عشر حسنات، و یمحي عنك عشر سیئات ، یا أباذر اتعلم في أي شيء نزلت هذه الایة : « و اصبروا و صابروا و رابطوا و اتّقوا الله لعلّكم تفلحون»(21)؟

قلت : لا ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة»(22)

و روي عنه (ص) أیضاً أنّه سئل عن أفضل الأعمال فقال : « اسباغ الوضوء في السبُرات(23) و نقل الاقدام إلی الجماعات ، و انتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط»(24).

و عنه (ص) « الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة»(25) فیمكن لنا أن نستوحي من ذلك أنّه إذا كان الانتظار حاكماً علی العبادة فإنّها تشدّ أبواب الشیطان ، و تمنع تعلّق النفس بالمادة و المادیات ، فیصبح بمقدور الانسان أن یرتقي بعبادته ، و یجسدها في واقعه الباطني و الظاهري و به تتحقق حقیقة المراقبة ، فلا یبقی مجال للشیطان و لا للهوی و الشهوات التصرف في هذا الانسان ، بل یصبح وجود الإنسان متكاملاً یتحرك وفق إرادة الله في جمیع أحواله و شؤونه و هو الجهاد الأكبر ، لإنّ فیه قهراً للعدوّین النفس « الأمارة » و الشیطان، فما أشرفها من عبادة ، و ما أروعه من جهاد،؛ و لذا عدّ المنتظر للفرج كشاهر سیفه أو كالمتشحط بدمه في سبیل الله ، فعن النبي (ص) « ... انتظروا الفرج و لا تیأسوا من روح الله ، فإن احب الاعمال إلی الله عزوجل انتظار الفرج مادام علیه العبد المؤمن ، و المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبیل الله»(26).

بل عبّرت الروایات علی أن ّ المنتظر للصلاة ضیف الله : « إنّ الرجل إذا دخل المسجد فصلی و عقّب انتظاراً للصلاة الأخری فهو ضیف الله ،و حق علی الله أن یكرم ضیفه » ، « و إنّه مادام ینتظر في عبادة ما لم یغتب»(27).

و عن الامام علی (ع) قال : « الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة»(28).

الأثر التكاملي و بناء النفس :

إنّ في الانتظار أثراً تكاملیاً عظیماً ، حیث یقترب به الإنسان من تعالیم المساء و منها الرضاء بالقضاء و ما قدّر الله تعالی للبشر، و الاعتماد علیه سبحانه بتدبیر الأمور.

فإنّ السعي و المجاهدة و الإخلاص و صفاء النیة یعطي طاقة روحیة للإنسان عظیمة : « و الذین جاهدوا فینا لنهدینّهم سبلنا »(29) « كلّا نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ما كان عطاء ربّك محظوراً»(30) ، أن الله خلق كل الموجودات بهذه الرحمة بما فیها إبلیس (لعنه الله) و النار و جمیع الشرور في العالم التي هي خیرات بأنفسهم و ذاتها ، كیف و هو الحكیم الذي رتّب العالم بحكمته أن یخلق الشر المحض ، بل خلقها لتساهم في كمال الانسان بعد إجتیازه مظاهر الصراع الداخلي بین الوساوس و المغریات و بین نفسه اللوامة ، فیرتقي الانسان و یتكامل ، و هذا كلام عقائدي دقیق یحتاج إلی بسط أكثر لیس هنا محله؟

فهذا هو الذي یجعل الانسان علی علاقة مباشرة مع الله تعالی ، فیحسّ الانسان هنا بالخشیة منه تعالی ، و أنّه في حضور دائم ، فیتعامل مع الموجودات علی أنّها آیات إلهیة ، فیبقي یتذوق هذه الرحمة عبر روافد و قنوات عدیدة منها التعرّض للأیام و اللیالي و الساعات الّتي بیّنت الشریعة خصوصیتها ، و كما ورد في الحدیث المعروف : « ألا أنّ لربكم في أیام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها و لا تُعرضوا لها عنها »(31) ، و هنا قد تكفّلت روایات أهل البیت (ع) ذلك بشكل مكثّف ، ما یكفي للإنسان في التزوّد منه ، و قبل ذلك علی الإنسان أن یشتغل بتهذیب النفس و إبعادها من الرذائل و تحلیتها بالفضائل ، فإنّ ذلك باعثاً لشدّة الانتظار و الترقّب و اللطف و العنایة الربّانیة ، حتی ینال الإنسان درجة عظیمة في الرقي ، بل و أرضیة للخلاص من الشك و الارتیاب و الیأس ، بل یؤهله لأن یكون بدرجة المنتظرین للقائم عجل الله تعالی فرجه الشریف « من سرّه أن یكون من أصحاب القائم فلینتظر و لیعمل بالورع و محاسن الأخلاق و هو منتظر»(32).

و الانتظار الایجابي من قبل الأمة یساهم في تعجیل الفرج، و قد روي عن الشهید محمد الصدر (قدس سره) أنه قال : الإمام المنتظر ـ بالكسر ـ ، فالإمام ینتظر الأمة للتحرك من أجل إصلاح واقعها و تغییره علی ضوء المفاهیم و القیم الالهیة ، بتحویل الأفكار و المفاهیم و التصورات و النظریات إلی واقع عملي تترجم فیه الأفكار إلی مشاعر و أخلاق و علاقات و ارتباطات متجسدة في صورة عملیة ، و إعداد العدة اللازمة لإدامة العمل الإیجابي و تهیئة المجتمع الإسلامي لترقب الانتصار الكلي بعد یأسه من الأطروحات الوضعیة أو التطبیقات العلمیة الخاطئة التي تتبنی الإسلام نظریة دون أن تجسّده في الواقع .

فما لم یتحقق الانتظار الحقیقي و هو تهیئة شروطه من قبل الامة فإنّ الفرج سیتأخر ، و هذه سنة إلیهة فمتی وجدت المقدّمات و تهیّأت بصورة عملیة فأن النتائج تترتب علیها و لا تتخلف ، فالأمر موكول إلی الأمة بسعیها الجاد الدؤوب و انتظارها الإیجابي.

عن موقع السيد عبد الرسول الحسيني


(1) مكیال المكارم 182:2

(2) میزان الحكمة 187:1

(3) سورة هود: 93.

(4) سورة الاعراف : 71

(5) مكیال المكارم 262:2

(6) سورة السجدة : 24

(7) الخصال 625: 2

(8) سورة غافر:60

(9) سورة البقرة: 186.

(10) المیزان في تفسیر القرآن 32:2

(11) سورة البقرة : 186
(12) سورة الزمر : 53

(13) الكلیني ، الكافي 47: 2

(14) المیزان في تفسیر القرآن 43: 2

(15) المصدر نفسه 42: 2

(16) عبدالله ابن عدي ، الكامل 637: 2. و الطبراني ،المعجم الكبیر 125ـ 124: 10

(17) میزان الحكمة : 28: 1

(18) مكیال المكارم : 292: 2

(19) الشیخ جواد الاملي ، أسرار الصلاة : 139.

(20) العلامة محمد حسین الطباطبائي، سنن النبي (ص) : 304

(21) سورة آل عمران : 200

(22) الحر العاملي ، وسائل الشیعة 4: 117ـ 118

(23) السبرات : جمع سبرة الغداة الباردة

(24) وسائل الشیعة 4: 117 ـ 118

(25) المصدر السابق
(26) الخصال 2: 610
(27) وسائل الشیعة 4: 116

(28) النوري ، مستدرك الوسائل 3: 99

(29) سورة العنكبوت : 69

(30) سورة الإسراء : 20

(31) محمد الریشهري ، الصلاة في الكتاب و السنة : 20
(32) محمد بن إبراهیم النعماني ، الغیبة:

سارع الآن بالاشتراك في القائمة البريدية ليصلك جديد الموقع على بريدك

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

أرشيف المدونة الإلكترونية

جريمةٌ لن تُنسى

بحث

تابعنا على مواقع التواصل

 
كافة الحقوق محفوظة لـ أوراق خضــــــــراء © 2015 | بدعم من بلوجر
تصميم: ثيمز بيبر | تعريب: قوالب برق | بدعم من: برق سوفت وير
Creative Commons License